بيرلسكوني والسوبرليغ- رؤية مستقبلية أم هاوية للكرة الأوروبية؟

المؤلف: كتب: سلطان الشمري SULTANO_91@08.13.2025
بيرلسكوني والسوبرليغ- رؤية مستقبلية أم هاوية للكرة الأوروبية؟

يبدو أن لدى رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس نادي ميلان العريق، سيلفيو بيرلسكوني، رؤية استشرافية ثاقبة حول مستقبل كرة القدم الأوروبية. ففي عام 1989، تقدم بمقترح جريء لإنشاء مشروع "دوري السوبر الأوروبي"، ولكن هذا المقترح، للأسف، قوبل بالرفض القاطع في ذلك الوقت.

ولكن، ما الذي حدث لهذا المشروع الطموح؟ ببساطة، ذهب أدراج النسيان. وبدلاً من تبني فكرة بيرلسكوني، فضل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) إجراء تعديل بسيط على مسابقة "الكأس الأوروبية"، وتحويلها إلى "دوري أبطال أوروبا" بدءًا من موسم 1991/1992. وشمل هذا التعديل تغيير نظام البطولة من مجرد مباريات خروج المغلوب إلى نظام المجموعات المثير، بالإضافة إلى الأدوار الإقصائية المعتادة.

مرت السنوات، وسارت الأمور بشكل عام على ما يرام، وشهدت المنافسات بين الأندية الأوروبية الكبرى ارتفاعًا ملحوظًا. ومع ذلك، ظهرت مشكلة أساسية تتعلق بنظام توزيع المكافآت المالية على هذه الأندية، التي كانت تتحمل أعباء مالية كبيرة لرفع مستوى المنافسة وجذب الأنظار إلى البطولة الأوروبية.

هذا الوضع أثار غضب الأندية، وخاصة نادي ريال مدريد الإسباني. ففي عام 2009، عاد رجل الأعمال الإسباني ورئيس النادي الملكي، فلورنتينو بيريز، ليُحيي فكرة بيرلسكوني التي طال انتظارها، فكرة "دوري السوبر الأوروبي".

فكيف كان رد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هذه المرة؟ كان الرد هو الشروع في التفكير في نظام مالي جديد، أُطلق عليه اسم "قانون اللعب المالي النظيف"، والذي تولت هيئة الرقابة المالية التابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم الإشراف عليه. يهدف هذا القانون إلى إعادة التوازن إلى كرة القدم من خلال ضمان الاستدامة المالية للأندية على المدى الطويل، وتجنب الوقوع في براثن الإفلاس، كما حدث سابقًا مع أندية مثل بارما وفيورنتينا الإيطاليين.

ولكن، يبدو أننا سنضطر إلى استخدام كلمة "لكن" مرارًا وتكرارًا، لأنه مهما تحدثنا عن نقطة إيجابية، سيكون هناك دائمًا رد سلبي عليها. فقانون اللعب المالي النظيف، الذي جاء نظريًا لحماية الأندية، تحول في الواقع إلى أداة لجعل كرة القدم لعبة رأسمالية بحتة. فالنادي الذي يمتلك مستثمرين أثرياء هو الذي يمتلك القدرة على تحقيق طموحاته، بينما تعاني الأندية الأخرى، خاصة الإيطالية والإسبانية، معاناة شديدة. الأندية التي نجت من هذا الوضع هي تلك التي اتخذت إجراءات استباقية قبل إقرار القانون في عام 2013.

استمرت رغبة بيريز في إنشاء بطولة "دوري السوبر الأوروبي" في عام 2014. ولكن، ما كان رد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هذه المرة؟ كان الرد هو الرفض القاطع وإعادة هيكلة نظام المكافآت المالية مرة أخرى. حينها، قال بيريز كلمته الشهيرة: "ليس من المنطقي أن ندفع الكثير ولا نحصل على الكثير".

يرى بيريز أن كرة القدم الأوروبية تتجه نحو مستقبل قاتم، وأن اللعبة في طريقها إلى الهاوية. فالجيل الجديد يفضل قضاء وقته على وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية أكثر من مشاهدة كرة القدم. ولذلك، يقترح بيريز أن بطولة "دوري السوبر الأوروبي" ستوفر مباريات قمة متكررة بين الأندية الكبيرة، مما سيجذب المزيد من المشاهدين ويزيد الإيرادات. وهذا بدوره سيؤدي إلى منافسات مالية محمومة مدعومة من قبل صناديق أمريكية عملاقة مثل "JP Morgan" و "Goldman Sachs".

في عام 2020، اتخذ بيريز خطوة جريئة للغاية، بالتعاون مع رئيس يوفنتوس آنذاك، أندريا أنييلي، ورئيس برشلونة، خوان لابورتا، للمضي قدمًا في إنشاء هذه البطولة دون الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. ومرت ثلاثة أيام عصيبة على هذه الخطوة، وصفها رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ألكسندر تشيفرين، بأنها كانت كالكابوس، وأنه لم ينم خلالها على الإطلاق، وأنه سيكتب كتابًا عن هذه القصة في المستقبل.

تدخلت الحكومات الأوروبية والمؤسسات الرياضية في كل دولة، بدعم من الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لإيقاف هذه البطولة. وبالفعل، انسحبت الأندية تدريجيًا، خاصة الأندية الإنجليزية، التي وقعت في فخ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، الذي ألقى خطابات نارية يهدد فيها هذه الأندية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي شخص يحاول تقويض المؤسسة الأوروبية.

على أي حال، وافقت محكمة مدريد على إنشاء هذه البطولة. ومع ذلك، بقي المشروع معلقًا حتى إشعار آخر. والهدف الأساسي من إنشاء هذه البطولة هو تغيير نظام كرة القدم بشكل جذري، بما يحافظ على قيمة هذه اللعبة بالنسبة لملايين المشجعين.

فكيف كان رد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم؟ كان الرد هو تغيير نظام اللعب المالي النظيف إلى نظام الاستدامة المالية وتراخيص الأندية على مدى السنوات الثلاث القادمة، بالإضافة إلى تغيير نظام بطولة دوري أبطال أوروبا بزيادة عدد الأندية والمباريات، مما سيوفر المزيد من الأموال والمكافآت المالية بدءًا من موسم 2024/2025، على غرار ما فعله بيرلسكوني في الماضي.

إذن، يبدو أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هو مؤسسة رياضية محافظة تتخذ قرارات متسرعة دون محاولة الحفاظ على هذه اللعبة بشكل جيد. ولهذا السبب، يطرح السؤال نفسه: هل كرة القدم الأوروبية تتجه نحو الهاوية؟ والعديد من المراقبين يجيبون بالإجابة نفسها: نعم، كرة القدم الأوروبية في طريقها إلى الهاوية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة